منتديات فلسطين
أهلا بكم بمنتديات فلسطين
منتديات فلسطين
أهلا بكم بمنتديات فلسطين
منتديات فلسطين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أنا الموقع على حبل مشنقتي ...فخر يشرفني أني فلسطيني
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
يشرفنا وجودكم في منتديات فلسطين ونتمنى منكم تفاعلاً ونشاطاً أكثر

 

 خطة لتكوين الداعية المفتي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
NIGHTMARE




عدد المساهمات : 39
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمر : 31
الموقع : fls6in.yoo7.com

خطة لتكوين الداعية المفتي Empty
مُساهمةموضوع: خطة لتكوين الداعية المفتي   خطة لتكوين الداعية المفتي I_icon_minitimeالسبت أبريل 09, 2011 6:07 pm

خطة لتكوين الداعية المفتي



الدعاة عمومًا ـ وعلماء الإفتاء معهم ـ يقومون على إبلاغ رسالة الله ويخشونه... ولا يخشون أحدًا إلا الله وكفى بالله حسيبًا... وجميعهم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويجيب السائل ويهدى المستهدى...

فإذا أسند الإمام الأكبر شيخ الأزهر لأبنائه علماء الوعظ واجب إفتاء الناس وتنويرهم بإظهار حكم الله فى وقائع حياتهم... فالشرف كل الشرف حينئذ لهؤلاء الدعاة والوعاظ...

لذلك أهدى أستاذنا الدكتور حسن الشافعى هذا البحث لمجلة نور الإسلامî فتحًا لباب من أبواب العلم طال انتظاره .

المحرر

القسم الأول

أولاً تمهيد فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر :‏


ـ المعروف هو كل ما عرفه الشارع وحكم بحسنه، والمنكر ما أنكره ونهى عنه، والأمر بالأول والنهى عن الثانى واجب كفائى على الأمة، وقد يتعين فى بعض الأفراد، وهو جماع الدين كله كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية إذا كان جماع الدين وجميع الولايات هو أمر ونهى، فالأمر الذى بعث الله به رسوله هو الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، وهكذا ورد نعت النبى والمؤمنين كما قال تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر£. التوبة .

وهذا واجب على كل مسلم قادر،وهو فرض على الكفاية،ويصير فرض عين على القادر الذى لم يقم به غيره والقدرة هى السلطان والولاية، والذين بيدهم السلطان والولاية أقدر من غيرهم، وعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم، فإن مناط الوجوب هو القدرة فيجب على كل إنـسـان بحسـب قدرتـه، كما قال تعالى فاتقواالله ما استطعتم£ î.

ويقول النووى فى شرحه على صحيح مسلم ثم إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كلُّ من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم أنه قد يتعين كما إذا كان فى موضوع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، كمن يرى زوجته أو ولده على منكر أو تقصير فى المعروف.. ولا يسقط عن المكلف بكونه لا يفيد فى ظنه، بل يجب عليه فعله، فإن الذكرى تنفع المؤمنين. وقد قدمنا أن الذى عليه الأمر والنهى وليس القبول، وكما قال الله عز وجل ما على الرسول إلا البلاغ..£ .

ـ وقد أكد النبى بنفسه هذا الواجب التضامنى على الأمة، فى إقامة الشريعة والالتزام بأحكامها، وأزال ما قد يشوب ذلك من سوء الفهم أحيانًا، سئل عن قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم£.

فقال بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحًا مطاعًا وهوى متبعًا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذى رأى برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العوامî .

فهو واجب لا يسقط إلا فى أحوال الفتن أو ظـهور عدم الفائدة. لا مجرد الظن بعدمها أو خشية الضرر القليل.

ـ كما بين ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن هذا الواجب لا يتم القيام به إلا بتغيير المنكر وإزالته وإقامة المعروف ونصرته،من كل بحسب قدرته وسلطته وولايته.. ولو بالموعظة والنصيحة. عن أبى سعيد سمعت رسول الله يقول من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمانî .

ويعلق عليه الإمام النووى رحمه الله وأما قوله عليه السلام فليغيرهî فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة وقد تطابق على إيجـاب الأمـر بالمعروف والنهـى عـن المنكـر الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهـو أيضــًا من النصيحـة التى هى الدين ..î.

ـ وأول ما ينبغى أن يجتنب فيه المنكر ويراعى فيه المعروف هو كيفية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وذلك بمراعاة الآداب الشرعية فى الأمر والنهى، وقد لخصها شيخ الإسلام ابن تيمية فى خلال ثلاث العلم، والرفق والصبر، فلا بد من هذه الثلاثة العلم والرفق والصبر، العلم قبل الأمر والنهى والرفق معه، والصبر بعده، وإن كان كل من الثلاثة مستصحبًا فى هذه الأحوال. وهذا كما جاء فى الأثر عن بعض السلف، ورووه مرفوعًا، وذكره القاضى أبو يعلى فى المعتمد لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهًا فيما يأمر، وفقيهًا فيما ينهى عنه، رفيقًا فيما يأمر به، رفيقًا فيما ينهى عنه، حليمًا فيما يأمر به، حليمًا فيما ينهى عنه î.

ـ ولكون العلم والتفقه هو الشرط الأول للقيام بهذا الواجب الشرعى ورد الحض والترغيب، بل الأمر والإيجاب لطلب العلم والفقه، وربط به أمر الدعوة والنصيحة كما فى قوله تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون£ .

ودعينا للتنافس فى ذلك، ففى صحيح مسلم سمعت عبد الله بن مسعود يقول قال رسول الله لا حسد إلا فى اثنين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته فى الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضى بها ويعلمـهاî، قـال النــووى تعليقًا عليـه ورجل آتاه الله حكمة..، معناه يعمل بها ويعلمها احتسابًا، والحكمة كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح . والقدر الضرورى من العلم أو فرض العين منه هو أن يتعلم المسلم ما به تسلم عقيدته، وتصح عبادته، ويكتسب رزقه، ويقوم بواجباته الضرورية كتربية ولده ونحوه، فإن عرض ما لا يعلمه سأل أهل الذكر.. وهنا يأتى دور الفتوى والاستفتاء كما سنعرض له فيما يلى بعون الله.

ثانيًا : فى الفتوى :‏


الإفتاء شرعًا هو بيان حكم الله تعالى بمقتضى الأدلة الشرعية على جهة العموم والشمولî والاستفتاء أن يطلب العامى الذى لا معرفة له بالحكم هذا البيان ممن هو أهل لذلك. ولكل منهما شروط وآداب شرعية.

وينقل الإدريسى عن فقهاء الشافعية أيضًا حكى الإمام الشافعى فى الرسالة والغزالى فى الإحياء الإجماع على أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه. وقال القرافى فى الفروق فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما عينه الله وشرعه فى البيـع، ومـن أجر وجب عليه أن يتعلـم ما شرعـه الله فـى الإجــارة، ومـن قارض وجب عليه أن يتعلم حكم الله فى القراض، ومن صلى وجب عليه أن يتعلم حكم الله فى تلك الصلاة.. قال الشافعى طلب العلم قسمان فرض عـين، وفـرض الكـفـايـة مـا عــدا ذلك..

وفى قوانين الأحكام الشرعية لابن جزى ومنه أى العلم فرض عين وفرض كفاية ففرض العين ما يلزم المكلف من معرفة الطهارة والصلاة، فإذا دخل رمضان وجب عليه معرفة الصيام، فإن كان له مال وجب عليه معرفة الزكاة فإذا باع واشترى وجب عليه معرفة البيوع، وأما فرض الكفاية فهو ما زاد على ذلك.

حكم الاستفتاء وآدابه

ولكن بعض الأمور والحادثات قد يخفى حكمها حتى على بعض الفقهاءأو المشتغلين بالفقه، وبعض المشتغلين فى أمور العيش قد يشغله عمله عن التفقه وطلب العلم، وخاصة بعد أن ضعفت الهمم عن طلبه، وقلت الدواعى إلى ذلك عما كان عليه الحال فى الصدر الأول، فماذا يكون الحال عندما تنزل بالواحد من هؤلاء واقعة لا يدرى حكمها، أو يواجه تصرفًا أو تعاقدًا لا يعرف أصحيح هو أم فاسد؟ أحرام أم حلال؟ وأن الإجابة عن ذلك فى الأصول الثلاثة التى بدأنا بها المسألة السابقة وهى أن عليه اللجوء إلى أهل الذكر والعلم والاستفتاء فيما عرض له وفق قول الله تعالى فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون£. الأنبياء .

ويقول الشاطبى فى الموافقات إن المقلد إذا عرضت له مسألة دينية فلا يسعه فى الدين إلا السؤال عنها على الجملة، لأن الله لم يتعبد الخلق بالجهل، والأدلة على هذا المعنى كثيرة وهى قضية لا نزاع فيهاî.

ويقول الغزالى فى المستصفى العامى يجب عليه الاستفتاء واتباع العلماء. وقال قوم من القدرية يلزمهم النظر فى الدليل واتباع المعصوم. وهذا باطل بمسلكين

المسلك الأول إجماع الصحابة، فإنهم كانوا يفتون العوام ولا يأمرونهم بنيل درجة الاجتهاد، وذلك معلوم على الضرورة والتواتر من علمائهم وعوامهم....

المسلك الثانى أن الإجماع منعقد على أن العامى مكلف بالأحكام وتكليفه طلب رتبة الاجتهاد محال؛ لأنه يؤدى إلى أن ينقطع الحرث والنسل وتتعطل الحرف والصنائع ويؤدى إلى خراب الدنيا لو اشتغل الناس بجملتهم بطلب العلم، وذلك يرد العلماء إلى طلب المعاش، ويؤدى إلى اندراس العلم، بل إلى إهلاك العلماء وخراب العالم. وإذا استحال هذا لم يبق إلا سؤال العلماءî .

ويقول الآمدى العامى من ليس له أهلية الاجتهاد وإن كان محصلاً لبعض العلوم المعتبرة فى الاجتهاد يلزمه اتباع قول أحد المجتهدين والأخذ بفتواه عند المحققين من الأصوليين. ويدل عليه النص والإجماع والمعقول.

أما النص فقوله تعالى فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون£.

وأما الإجماع فهو أنه لم تزل العامة فى زمن الصحابة والتابعين قبل حدوث المخالفين يستفتون المجتهدين ويتبعونهم فى الأحكام الشرعية والعلماء منهم يبادرون إلى إجابة سؤالهم.. فكان إجماعًا.

وأما المعقول فهو أن من ليس له أهلية الاجتهاد إذا حدثت به حادثة فرعية إما أن لا يكون متعبدًا بشىء، وهو خلاف الإجماع من الفريقين. وإن كان متعبدًا بشىء فإما بالنظر فى الدليل المثبت للحكم أو بالتقليد. الأول ممتنع لأن ذلك مما يفضى فى حقه وفى حق الخلق أجمع إلى انظر فى أدلة الحوادث والانشغال عن المعايش، ورفع الاجتهاد والتقليد رأسًا وهو من الحرج والإضرار المنفى بقوله تعالى وما جعل عليكم فى الدين من حرج£ . وبقوله عليه السلام لا ضرر ولا ضرار..î.

هذا واجب غير المجتهدين فى تطلب الحكم من المفتين العارفين به ولو رحلوا فى سبيله.

ويقول الخطيب البغدادى فى الفقيه والمتفقه أول ما يلزم المستفتى، إذا نزلت به نازلة، أن يطلب المفتى ليسأله عن حكم نازلته، فإن لم يكن فى محلته وجب عليه أن يمضى إلى الموضع الذى يجده فيه، فإن لم يكن ببلده لزم الرحيل إليه، وإن بعدت داره، فقد رحل غير واحد من السلف فى مسألة...

ومن ثم يتضح أن الاستفتاء ضرورة واقعية وشرعية معًا، ويجب على غير العلماء أو المجتهدين فيما يجهلون حكمه من تصرفاتهم، ولذا نظمت أموره منذ الصدر الأول

أ فقام النبى بهذه الوظيفة بنفسه، وأخذ به العلماء من أصحابه فى محضره وغيبته .

ب ونظم الولاة والأمراء منذ الصدر الأول أمر الفتوى العامة إلى جانب تطوع العلماءالمتأهلين بذلك حتى لا تعطل أو يتعرض لها من ليس من أهلها .

وقد أورد العلماء عدة آداب للمستفتى كى يبرأ من المسئولية الدينية، ومنها

ـ أن يختار المفتى المعروف بالعلم والعدالة وقد شدد الشاطبى فى ذلك، وقال لا يصح له أن يسأل من لا يعتبر فى الشريعة جوابه، لأنه إسناد أمر إلى غير أهله والإجماع على عدم صحة مثل هذا . فإذا لم يكن فى البلد إلا مفت واحد وجب عليه الرجوع إليه اتفاقـًا، ولكن إذا تعددوا وكلهم أهل علم وعدالة، فهل يفاضل بينهم؟ أوجب البعض عليه التخير ومراجعة الأفضل، ومنهم الآمدى والباقلانى وجماعة من الفقهاء والأصوليين .

وقال البعض يأخذ بقول من شاء منهم كالغزالى فى المستصفى . ونص الآمدى على أنه مذهب أحمد وبعض الشافعية وجماعة من الفقهاء الأصوليين ، ومال الشاطبى إلى الأول .

ـ وأن يحدد المسألة تمامًا بكل قيودها، ولا يخفى من حقيقتها شيئًا، فإن السائل أعرف بمسألته من جميع الناس ومنهم مفتيه.

ـ وأن يوفر العالم ويجله فى الخطاب ولا يسأل فيما لا ينفع أو لا يهم من الأمور .

ـ ألا يعمل بالفتوى إذا كان يعلم أن حقيقة الأمر فى الباطن كما يعرفها هو ـ وقد خفيت على المفتى إذ يحكم على ظاهر الأمر ـ بخلاف ما تتضمنه الفتوى، وهو المقصود باستفتاء القلب. يقول العلامة ابن القيم لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتى إذا لم تطمئن نفسه وحاك فى صدره من قبوله وتردد فيها؛ لقوله استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوكî.

حكم الإفتاء وجلالته وأدبه

الإفتاء فرض كفاية على الأمة ويقوم به فيها من توافرت فيه شروطه، وقد يصير فرض عين أحيانًا، فإن لم يكن وقت حدوث الواقعة المسئول عنها إلا واحد تعين عليه فإذا استفتى وليس فى الناحية غيره تعين الجواب عليه، فإن كان فيها غيره وحضر فالجواب فى حقهما فرض كفاية وإن لم يحضر غيره وجهان أصحهما لا يتعين والثانى يتعينî .

وقد تحدث الإمام الشاطبى فى معنى الوجوب الكفائى على الأمة كلها وعلى العلماء إن تعددوا فى نفس الوقت، فأما واجب العلماء والقادرين فهو النهوض بالوظيفة الشرعية، وأما واجب الأمة فهو إقامة هؤلاء القادرين. يقول الإمام الشاطبى إنه واجب على الجميع على وجه من التجوز؛ لأن القيام بذلك الفرض قيام بمصلحة عامة، فهم مطلوبون بسدها على الجملة فبعضهم هو قادر عليها مباشرة، وذلك من كان أهلاً لها، والباقون وإن لم يقدروا عليها قادرون على إقامة القادرين.فمن كان قادرًا على إقامة الولاية فهو مطالب بإقامتها، وإن كان عليها فهو مطالب بأمر آخر وهو إقامة ذلك القادر. فالقادر إذن مطالب بإقامة ذلك الفرض ـ الفتوى ـ، وغير القادر مطالب بتقديم القادر إذ لا يتوصل إلى قيام القادر إلا بالإقامة من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .

وهذا بيان دقيق لمعنى الفرض الكفائى ودور الأمة فى توفير الكفاءات التى تنهض به وتسد حاجته وتتمكن من ذلك بالجهد التضامنى للأمة بأسرها فإن لم تف بذلك أثمت جميعًا.

هذا وإن تعين أحد للإفتاء إما لانفراده بالأهلية أو باتفاق كلمة من لهم الأهلية على تقديمه بحيث لا يفتى سواه، أو وقع اختيار من له الولاية والسلطة عليه سواء كان المختار واحدًا أم أكثر وتفرغوا للقيام بأمر الفتوى فلا بأس بأن يأخذوا من الأجر والراتب ما يكفيهم ولا يجوز أخذ شىء من أعيان المستفتين. قال الخطيب البغدادى فى الفقيه والمتفقه لا يسوغ للمفتى أن يأخذ الأجرة من أعيان من يفتيه كالحاكم الذى لا يجوز له أن يأخذ الرزق من أعيان من يحكم له أو عليه. وعلى الإمام أن يفرض لمن نصب نفسه لتدريس الفقه والفتوى فى الأحكام ما يعينه عن الاحتراف والتكسب، ويجعل ذلك فى بيت مال المسلمين. فإن لم يكن هناك بيت مال أو لم يفرض الإمام للمفتى شيئًا واجتمع أهله على أن يجعلوا له من أموالهم رزقًا ليتفرغ لفتاويهم وكتابات نوازلهم ساغ ذلك أخبرنا ابن الفضل قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى والى حمص انظر إلى القوم الذين نصبوا أنفسهم للفقه وحبسوها فى المسجد عن طلب الدنيا فأعط كل رجل منهم مائة دينار يستعينون بها على ما هم عليه من بيت مال المسلمين، حين يأتيك كتابى هذا، فإن خير البر أعجله، والسلام عليك.

ولا يتعارض هذا مع ما أورده ابن القيم من إنكار النبى على عبادة بن الصامت أخذه قوسًا ممن علمه الكتاب والقرآن ، فإنه لم يكن متفرغًا لذلك والإباحة مشروطة، بألا يأخذ من أعيان المستفتين، على أن الخلاف فى أخذ الأجر على القيام بالوظائف الدينية مشهور وقد استقر الرأى فيه على الجواز بناءً على أنه فى مقابل التفرغ لها لا على سبيل الأجرة.

جلالة منصب الفتوى إن المفتى كما يقول الشاطبى قائم فى الأمة مقام النبى والدليل على ذلك أمور

أ أحدها النقل الشرعى فى الحديث أن العلماء ورثة الأنبياء. لم يورثوا دينارًا ولا درهمـًا، وإنما ورثوا العلم ..

ب الثانى أنه نائب عنه فى تبليغ الأحكام؛ لقوله ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائبî.

جـ والثالث أن المفتى شارع من وجه؛ لأن ما يبلغه من الشريعة إما منقول عن صاحبها وإما مستنبط من المنقول، فالأول يكون فيه مبلغًا، والثانى يكون فيه قائمًا مقامه فى إنشاء الأحكام ..

وهذا هو المعنى الذى جعل الإمام ابن القيم يسمى هؤلاء العلماء القائمين بأمـر الاجتهاد والإفتاء فى الدين الموقعين عن رب العالمين وجمع أخبارهم وما انتهى إليه من تراثهم فى كتابه العظيم إعلام الموقعينî .

ولجلالة أمر الفتوى تهيبها السلف وتوقفوا أحيانًا عن الجواب، وعد هذا من دلائل فقههم وأمانتهم واشتد إنكارهم على من تعرضوا للفتوى من غير أهلها بل إن النبى حذر من ذلك منبهًا على خطورة منصب الفتوى كما يروى الشاطبى فى كتاب الاعتصام قال عليه الصلاة والسلام إن الله لا ينزع العلم انتزاعًا ولكنه ينزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلونî.. ومعلوم أن هذه الآثار الذامة للرأى لا يمكن أن يكون المقصود بها ذم الاجتهاد بالقياس على الأصول فى نازلة لم توجد فى كتاب ولا سنة ولا إجماع من يعرف الأشباه والنظائر ويفهم معانى الأحكام فإن هذا ليس فيه تحليل وتحريم ولا العكس وإنما القياس الهادم للإسلام ما عارض الكتاب والسنة أو ما عليه السلفî .

وربما كانت الفتوى من بعض الوجوه أخطر شأنًا من القضاء وقد لا يصلح لها من يصلح له روى عن أبى حنيفة قوله أصحابنا هؤلاء ثلاثة وثلاثون رجلاً منهم ثمانية وعشرون يصلحون للقضاء ومنهم ستة يصلحون للفتوى ومنهم اثنان يصلحان يؤدبان القضاة وأصحاب الفتوى. وأشار إلى أبى يوسف وزفر ومثل هذا التفضيل للمفتى وتقديمه على القاضى مما صرح به السبكى فى بعض فتاويه ولا شك أن ثقافة المفتى لا تعود إلى الكتب وحدها ولا إلى الفقه خاصة وإنما هى أيضًا المعرفة بأمور الناس وملاقاة الرجال وتنزيل قواعد الشرع على وقائع العصر بما يحقق المصلحة من ناحية ومقاصد الشرع من ناحية أخرى.

هذا وقد اشترط البعض فى المفتين الاجتهاد وإليه مال قدماء الأحناف وجماعة من الأصوليين، ولم يشترط البعض ذلك واستظهر الآمدى أن المختار أنه إذا كان مجتهدًا فى المذهب بحيث يكون مطلعًا على مأخذ المجتهد المطلق الذى يقلده وهو قادر على التفريع على قواعدإمامه وأقواله متمكن من الفرق والجمع والنظر والمناظرة فى ذلك كان له الفتوىî ويكاد الجمهور يميل إلى هذا الرأى .

ومن تقاليد المفتين فى الإسلام ما ينبغى التنبيه عليه لحاجة أهل عصرنا إليه

ـ المشاورة فى الفتوى قصد استيضاح المسألة أو الاتفاق فى الجواب. يقول البغدادى فأول ما يجب على المفتى أن يتأمل ورقة الاستفتاء تأملاً شافيًا ثم يذكر المسألة لمن بحضرته ممن يصلح لذلك من أهل العلم ويشاورهم فى الجواب ويسأل كل واحد منهم عما عنده فإن فى ذلك بركة واقتداء بالسلف الصالح وقد قال الله تبارك وتعالى وشاورهم فى الأمر£ .

وشاور النبى الله وأصحابه فى مواضع وأشياء وأمر بالمشاورة وكانت الصحابة تتشاور فى الفتاوى والأحكامî .

ويمكن أن يعتبر هذا أصلاً للفتوى الجماعية، أو لجان الفتوى، وله شواهد أخرى. وقد صرح بمثل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فى السياسة الشرعية وهكذا فى سائر الولايات إذا لم تتم المصلحة برجل واحد جمع بين عدد، فلا بد من ترجيح الأصلح أو تعدد المولى، إذا لم تقع الكفاية بواحدî .

ـ التدريب على الفتوى وإعداد المتأهلين لجيل يلحق بهم من الفقهاء والمفتين ففى باب فتوى الصغير بين يدى الكبيرî من جامع بيان العلم وفضلهî يروى ابن عبد البر قرأت على أبى عمر.. عن عبد الرحمن بن غنم الأشعرى قال قلت لمعاذ بن جبل أرأيـت قـول الله عز وجل يا أيها الذيـن آمنـوا لا تقدمـوا بـين يــدى الله ورسوله£ .

فقال شهدت رسول الله ودعا أبا بكر وعمر حين أراد أن يبعثنى إلى اليمن، فقال أشيروا علىَّ فيما آخذ من اليمن، قالا يا رسول الله أليس قد نهى الله أن نتقدم بين يدى الله ورسوله؟ فكيف نقول وأنت حاضر؟ فقال رسول الله إذا أمرتكما فلم تتقدما بين يدى الله ورسولهî .

ثم شواهد أخرى من عمل الصحابة فى تدريب المتأهلين من طلاب العلم على الفتوى. وجرى على ذلك السلف فكانت الإجازة للفتوى بعد أن يشهد للمرء شيوخه وعارفوه، قال الخطيب البغدادى بعد أن روى حديث رسول الله إ ن الله تعالى لا ينزع العلم من صدور الناس بعد أن يعلمهم إياه، ولكن ذهابه قبض العلماء، فيتخذ الناس رؤساء جهالاً فيسألون فيقولون بغير علم فيضلون ويضلون ينبغى لإمام المسلمين أن يتصفح أحوال المفتين فمن كان يصلح للفتوى أقره عليها، ومن لم يكن من أهلها منعه منها وتقدم إليه بألا يتعرض لها وأوعده بالعقوبة إن لم ينته عنها.

وقد كان الخلفاء من بنى أمية ينصبون للفتوى بمكة فى أيام الموسم قومـًا يعينونهم ويأمرون بألا يفتى غيرهم، كان يصيح الصائح فى الحاج لا يفتى الناس إلا عطاء بن أبى ربــاح فإن لــم يـــكن فــعــبـــد اللـه بـــن رجــيـــح.

وطريق الإمام إلى معرفة حال من يريد نصبه للفتوى أن يسأل عنه أهل العلم فى وقته والمشهورين من فقهاء عصره ويعول على ما يخبرونه من أمره وسمعت أبا مصعب أحمد بن بكر يقول سمعت مالك بن أنس يقول ما أفتيت حتى شهد لى سبعون أنى أهل لذلك

وقد مر بنا من قبل قول أبى حنيفة فى صاحبيه أبى يوسف وزفر أنهما يصلحان لتأديب القضاة والمفتين.

ـ ومن تقاليدهم حرصهم على نشر العلم وإذاعة الفتوى، لتعم الفائدة ويتحقق الغرض على أتم وجه من بيان الأحكام. وكتب الفتوى فى القديم والحديث مشهورة متداولة ومن أشهرها فتاوى ابن الصلاح وشيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ عليش وغيرهم. ومن أحدثها ما بدأت تنشره دار الإفتاء المصرية من فتاوى القرن الرابع عشر الهجرى. ومن البين أن الكتاب كما قال بعض العلماء يقرأ بكل مكان ويظهر ما فيه على كل لسان ويوجد فى كل زمان مع تفاوت الأعصار وتباعد ما بين الأمصار وذلك أمر مستحيل فى واضع الكتاب والمنازع بالمسألة والجوابî نعم، لقد ذكروا أنه إن كان فى الرقعة ما لا يحسن إبداؤه أو ما فى إشاعته مفسدة لبعض الناس فينفرد المفتى بقراءتها والجواب عنهاî فإن خلا الجواب من نحو ذلك استحب إعلانه وإلا فيترك تقديره للمفتى.

ـ وآخر ما نذكره من ذلك حرصهم على حرية الرأى الفقهى مع الأدب والحشمة والوقـار. وقد أورد مسلم فى صحيحه بابًا فى اختلاف المجتهدين جاءت فيه قصة الولد الذى ادعته امرأتان، فاختلفت فيه فتوى سيدنا داود عليه السلام وسيدنا سليمان عليه السلام كما يرويها نبينا . ويورد مسلم أيضًا فى الصحيح فى باب جواز التمتع

عن سعيد بن المسيب قال اجتمع على وعثمان ـ رضى الله عنهما ـ فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة، فقال على ما تريد إلى أمر فعله رسول الله تنهى عنه؟ فقال عثمان دعنا منك. فقال إنى لا أستطيع أن أدعك، فلما أن رأى على ذلك أهل بهما جميعًاî . ويعلق النووى على ذلك بأن فيه إشاعة العلم وإظهاره ومناظرة ولاة الأمور وغيرهم فى تحقيقه ووجوب مناصحة المسلم فى ذلك وهذا معنى قول علىّ لا أستطيع أن أدعكî .

ويروى مسلم أيضًا عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال قال عروة بن الزبير لعائشة ـ رضى الله عنها ـ ألم تر إلى فلانة بنت الحكم طلقها زوجها البتة، فخرجت؟ فقالت عائشة بئسما صنعت، قال ألم تسمعى إلى قول فاطمة؟ فقالت أما إنه لا خير لها فى ذكر ذلك. ويعلق النووى أن فى حديث فاطمة بنت قيس فوائد كثيرة ... جواز إنكار المفتى على مفت آخر، خالف النص، أو عمم ما هو خاص، لأن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنكرت على فاطمة بنت قيس تعميمها ألا سكنى للمبتوتة وإنما كان انتقال فاطمة من مسكنها لعذرî .

وبعد، فهذه جملة صالحة من أحكام الإفتاء والدعوة إلى الله تبين مكانتهما فى الدين، وجلالة منصب القائم بهما أو بواحدة منهما والآداب اللائقة به، كما تبين جانبًا من التطور الذى دعت إليه الظروف المتغيرة منذ الصدر الأول فى ممارسة هاتين المهمتين باعتبارهما من الولايات الشرعية والوظائف الدينية.

الهوامـش :‏


الحسبة فى الإسلام ط مؤسسة مكة بدون تاريخ ص ‏

مسلم بشرح النووى ط الحلبى » .‏

ابن القيم ـ فتاوى رسول ا ، ط الاعتصام، القاهرة، م ص .‏

المصدر السابق .‏

الحسبة فى الإسلام ص .‏

ابـن تيمــيـة الأمــر بالمعروف والنهــى عــن المنكـر، ط مكتبة العلمية لاهور، ص .‏

سورة التوبة .‏

صحيح مسلم بشرح النووى ـ .‏

الفتاوى الإسلامية، ط القاهرة هـ، المجــلـد الأول، ص .‏

الإدريسـى ـ التراتـيب ـ ص ، .‏

ابن جزى قوانين ص .‏

الغزالى ـ المستصفى، ط الجندى بالقاهرة، ص .‏

الحج .‏

البغدادى الفقيه والمتفقه، ط دار الكتب العلمية، بدون تاريخ، » .‏

انظر الموافقات » وابن عبد البر جامع بيان العلم وفضله ـ دار الكتب الحديثة بالقاهرة، م ص .‏

الفقيه والمتفقه » ، .‏

الموافقات » .‏

الإحكام » .‏

المستصفى ص .‏

الإحكام » .‏

الموافقات » .‏

انظر البغدادى ـ الفقيه والمتفقه » وبحثًا طيبًا نشره الدكتور يوسف القرضاوى بمجلة المسلم المعاصرî العددين ، عن الفتوى فى الماضى والحاضر.‏

الفتاوى الإسلامية ـ نشر دار الإفتاء بالقاهرة، هـ، » .‏

الموافقات » .‏

الفقيه والمتفقه » ، .‏

انظر فتاوى رسول ا المستخرج من إعلام الموقعين ص .‏

الموافقات » ، .‏

انظر إعلام الموقعينî وخاصة » وما بعدها.‏

الشاطبى الاعتصام بالكتاب والسنة ـ ط السعادة بمصر » .‏

المصدر السابق » .‏

الفتاوى الإسلامية .‏

الآمدى الأحكام » ، .‏

الفتاوى الإسلامية ـ .‏

آل عمران .‏

البغدادى الفقيه والمتفقه، » ، .

ابن تيمية ـ السياسة الشرعية، ط دار الشعب، ص .‏

الحجرات .‏

جامع بيان العلم وفضله .‏

البغدادى، تقييد العلم، ط دار إحياء السنة النبوية م، ص .‏

المصدر السابق ص .‏

البغدادى، الفقيه والمتفقه » .‏

صحيح مسلم ـ .‏



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://fls6in.yoo7.com
 
خطة لتكوين الداعية المفتي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات فلسطين  :: المنتدى الاسلامي :: اجمل المواضيع الاسلامية-
انتقل الى: